إلى رحمة الله

الشيخ محمد طارق اللكهنوي الندويّ رحمه اللّه

0000-1428هـ = 0000 – 2007م

 

 

بلغني نعيُ وفاة الأخ العزيز الشابّ محمد طارق اللكهنوي الندوي مفاجأةً ، فتألّمتُ كثيرًا بشكل لا أكاد أصفه ؛ حيث وافته المنيّةُ بمكة المكرمة يوم الثلاثاء : 15/ ذوالحجة 1428هـ الموافق 25/ ديسمبر 2007م . رحمه الله وأدخله فسيح جنّاته .

       كان الأخ الكريم قد سافر لأداء فريضة الحج مع والدته ، وكان – بفضل الله وتوفيقه – تَفَرَّغَ من أداء المناسك تمامًا ، ويقضي الأوقات المباركة في رحاب البيت العتيق ويسعد بأداء الصلوات في الحرم الكريم ويتمتع بالذكر والعبادة والتلاوة بجنب بيت الله المكرم ينتظر نوبته للعودة إلى وطنه حسب البرنامج المجهز من قبل المشرفين على شؤون الحجيج الهنود من قبل الحكومة الهنديّة . إذ وافاه الأجل ، فصار دفينَ هذا التراب المُقَدَّس من أرض الله تعالى وصدق الله تعالى "وَمَا تَدْرِيْ نَفْسٌ بأَيِّ أَرْضٍ تَمُوْتُ" (لقمان/34).

       كان الشابُّ محمد طارق متواضعًا جدًّا ، بسيطاً في تعامله مع الناس ، ساذجًا في حياته ، قليل الآمال ، كريم الأخلاق ، يَتَلَقَّى كل أحد ببسمة عريضة ، لايعرف ما يُصَنَّف ضمنَ "الدهاء" أو "الخداع" دَرَسَ عليَّ سنوات موادَّ عديدة في اللغة العربيّة والقواعد والإملاء والإنشاء العربيّ ، عندما كنتُ أستاذًا بدارالعلوم ندوة العلماء بلكهنؤ . وكان هو وأسرته من الأب والأعوام يحبّانني كثيرًا ، وربّما يزورني أعضاءُ أسرته في حجرتي في دارالعلوم ندوة العلماء ، وكنتُ أزورهم في قريتهم "باني كاؤن" (Pani gaon) التي كانت على مسافة عدة كلو مترات في الجانب الشرقي من مدينة لكهنؤ بجهة مدينة "باره بنكي". وعندما زرتُ القرية بعد سنوات وكنت قد غادرتُ دارالعلوم ندوة العلماء إلى دارالعلوم / ديوبند . وذلك لدى حضوري "لكهنؤ" ومدينة "رائي بريلي" لتقـــديم التعـــزيـــة إلى أســرة سماحـــة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي (1333-1420هـ = 1914-1999م) بعد وفاته التي وقعت في الساعة الحادية عشرة والخمس والخمسين دقيقة من صباح يوم الجمعة: 22/ رمضان1420هـ الموافق 31/ ديسمبر 1999م. وكانت زيارتي للمدينة والقرية في الفترة ما بين الثلاثاء – والاثنين : 4/ شوال الموافق 11/ يناير و 10/ شوال 1420هـ الموافق 17/ يناير 2000م فوجدتُ القريةَ كانت قد صارت جزءًا من مدينة "لكهنؤ" بل المدينة كانت قد تَعَدَّتْها إلى كلو مترات عديدة إلى جانب الشرق. وكانت القرية قد تَنَكَّرتْ عليَّ تمامًا ، وما عرفتُها إلاّ بالمسجد الصغير الذي كان بجنب منزل الأخ محمد طارق، الذي كانت قد كثرتْ قدماتي إليه لدى كوني أستاذًا بدارالعلوم لندوة العلماء .

       ظلّ الأخ محمد طارق طالبًا مُحَبَّبًا إلى كل من الأساتذة الذين دَرَسَ عليهم ، وكان لديَّ عزيزًا بصفة خاصَّة ؛ لأنّه ظلّ كثير الاختلاف إليّ والصلة بي للتمرّن على الترجمة والإنشاء وتحسين خطّ الرقعة ، وتَخَرَّجَ في الدار ثم تَمَرَّنَ على كتابة الفتاوى والردّ على الاستفتاءات الواردة إلى الدار. وكان طالبًا صالحًا مَيَّالاً إلى دراسة الفقه والحديث وكتب الشريعة . وحالفه التوفيقُ ، فصار مفتيًا مُنْتَدَبًا من قبل الدار يقوم بالردّ على الاستفتاءات وبالقضاء وإصدار الحكم في ضوء الشريعة في النزاعات المُتَّصِلَة بالأحوال الشخصيَّةِ المرفوعة إلى دارالقضاء بالدار . وكان يقوم بالوعظ والتوجيه الديني وإلقاء الخطابات في الحفلات والمناسبات الدينيّة، إلى جانب كونه أستاذًا لمادة الفقه والتفسير بالدار . ولكونه سليم الطبع ، مستقيم السيرة والسلوك ، كان يحبّه الجميعُ . وأثق بأنه كان مقبولاً لدى ربّه ؛ ومن ثم دعاه إلى رحمته في الزمن المبارك ، من أقدس مكان لديه على وجه الأرض ، بعد ما أَدَّى مناسك الحجّ . وتلك علامات على تقبله تعالى لأعماله وعباداته وهو أعلم بأحوال عباده ، ونحن البشر نحكم بالظواهر والله وحده يعلم السرائر .

       كان الأخ محمد طارق لم يتجاوز 40-45 من عمره كما أعتقد ؛ لأنّه كان في 13-14 من عمره عام 1997م (1393هـ). كان نحيل الجسم ، معروقَ اللحم ، مائلاً إلى القصر، أسمرَ اللون ، طلق الوجه، غنيًّا طبعًا عن هموم الحياة، والاهتمام بأعبائها .

       رحمه الله رحمةَ الصالحين والأولياء المُتَّقِين وأدخله جنته العليا ، وألهم أهله وذويه الصبرَ والسلوان .

(تحريرًا في الساعة 10 من صباح السبت 27/ شعبان 1429هـ الموافق 30/ أغسطس 2008م)

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ذو القعدة – ذوالحجة 1429هـ = نوفمبر–ديسمبر 2008م ، العـدد : 11-12 ، السنـة : 32